منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

بالاصل على انهما مرجوحان لا يعتنى بهما العقلاء بخلاف ما اذا لم يكن المكلف مقصودا بالافهام لوجود احتمال آخر وهو ان يكون بين المتكلم والمخاطب المقصود بالافهام قرينة حالية او مقالية قد اختفت على غير المخاطب مثل هذا الاحتمال يعتني به العقلاء فلا يجوز الاخذ بمثل هذا الظهور لعدم كشفه عن المراد بل مثل هذا الاحتمال ربما يمنع الظهور التصديقى عن مراد المتكلم (١)

__________________

(١) لا يخفى ان هذه المقالة لو سلمت فانما تتم لو كان الثالث من قبيل من يسترق السمع او نقش الخطاب بالجدران واما لو كان المقصود بالخطاب هو بنفسه نقله الى ثالث نقلا بالمعنى او كان الثالث حاضرا في مجلس التخاطب كما يوجد في بعض الاخبار بقوله : (سأله وانا حاضر) فان كان من قبيل الاول فمثل زرارة الذى هو من الوثاقة بمكان ولم يطلعنا على تحقق القرينة نقطع بعدم تحققها اذ لو كانت موجودة في الواقع ولم يطلعنا يعد خائنا وهو خلاف الفرض لا سيما لو كان النقل بالمعنى كما هو ديدن اكثر الرواة إلا بعض الرواة الذين يثبتون قول الامام عليه‌السلام بالطوامير وكذلك نقل من كان حاضرا في مجلس الخطاب فانه مع ثقته لو نقل الينا لا سيما بالمعنى مما يقطع بعدم تحقق ذلك الاحتمال اعنى احتمال ان المتكلم اعتمد على قرائن حالية او مقالية حيث انه مع تحقق هذا الاحتمال كيف يسوغ له النقل من دون نقل القرينة على انه يمكن ان يدعى ان طبع كلام المتكلم لو كان في مقام البيان وكانت هناك قرينة لا طلعنا عليها وحيث لم يطلعنا ينبغى الاخذ بظاهره لانعقاد ظهوره وجريان السيرة على الاخذ بذلك الظهور.

وحاصل الكلام في بحث الظواهر من حيث الكبرى اى في حجيتها فنقول بالنسبة الى ما كان الغرض هو التصنيف والتأليف فانه لا اشكال انه

١٦١

ولكن لا يخفى ان هذا الاحتمال مثل الاحتمالين الاولين فانه في نظر العقلاء

__________________

لا يختص بمن قصد افهامه واما بالنسبة الى غير هذا الفرض فيمكن دعوى عدم حجية الظهور من جهات الاول انه ليس بحجة بالنسبة الى غير من قصد افهامه لاحتمال وجود قرينة اختفت عنهم بخلاف من قصد افهامه فانه يجب عليه ان يلقى اليه الكلام محفوفا بجميع القرائن الدالة على المراد واما احتمال الغفلة فلا يعتنى به. الثانية لو سلمنا الجهة الاولى يمكن دعوى طرو التخصيص والتقيد وهذا الاحتمال يوجب بطلان التمسك بالعمومات ، الثالثة وجود العلم الاجمالى بالمخصصات والمقيدات ومقتضاه رفع اليد عن العمومات ولكن لا يخفى ان شيئا من هذه الجهات لا يوجب رفع اليد من الظواهر اما الاولى فممنوعة حيث ان احتمال وجود قرينة احتفت بالكلام احتمال لا يلتفت اليه ولا يعتبره العقلاء فانهم لا يفرقون بين من قصد افهامه وبين من لم يقصد.

ودعوى ان من لم يقصد افهامه لا تجرى في حقه اصالة عدم الغفلة فلا يمكنه التمسك بظواهر الكلام ففي غير محلها اذ اصالة عدم الغفلة ليست اصلا لاصالة الظهور بل كل منهما اصل برأسه وبينهما عموم من وجه فتفترق اصالة عدم الغفلة عن اصالة الظهور في نقل البالغ العاقل اذا احتمل صدوره غفلة وتفترق اصالة الظهور عنها في كلام النبي (ص) والامام (ع) لعدم احتمال صدور الغفلة منهما ويجتمعان في كلام اهل العرف فاصالة الظهور اصل عقلائي برأسه يجرى بالنسبة الى من قصد افهامه ومن لم يقصد كان حاضرا مجلس الخطاب أو لم يكن.

ودعوى ان التقطيع في الاخبار يوجب احتمال قرينة على خلاف الظاهر في الصدر أو الذيل ومع هذا الاحتمال كيف يتمسك بالظهور ففي محل المنع

١٦٢

مرجوح لا يعتنى به فهو منفى باصالة العدم.

__________________

اذ ذلك يتم فيما لو كان التقطيع للاخبار بيد غير الثقة واما مع فرض ان التقطيع بيد الثقة العارف بخواص الكلام كالشيخ الكلينى (قدس‌سره) ونحوه مما ثبت تورعهم في الدين ولهم خبرة بخواص الكلام وعرفوا لحن الخطاب الصادر من اهل البيت عليهم‌السلام فلذا يستبعد خفاء القرينة عليهم وينقلون ما هو خال عن القرينة على انه لو سلمنا اختصاص الخطاب بمن قصد افهامه فانا نمنع ان رواة الاحاديث ليسوا مقصودين بالافهام وهكذا بالنسبة الى الكتب فان كل من نظر اليها يكون مقصودا بالافهام وعليه لا يلزم من القول باختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه انسداد باب العلم اما الجهتان الاخيرتان فغاية ما يوجبانه الفحص واما رفع اليد عن الظواهر فلا يوجبانه.

فانقدح مما ذكر ان حجية الظواهر فيما اذا لم يحصل الظن المعتبر على خلافه مما استقرت عليه سيرة العقلاء من الاخذ به مطلقا من غير فرق بين من قصد افهامه ام لا هذا اذا احرز مراد المتكلم واما اذا شك في مراده فتارة لعدم انعقاد الظهور واخرى لاحتمال عدم ارادته وسبب الاول تارة للشك في تحقق الموضوع واخرى لاحتمال قرينة الموجود وثالثه لاحتمال وجود القرينة وسبب الثاني اما احتمال غفلة المتكلم عن نصب القرينة أو تركه عمدا لمصلحة في الترك واتكاله على قرينة منفصلة ، اما اذا كان الشك في المراد من قبيل الثاني فالعقلاء لا يعتنون بالاحتمالات الثلاثة ويأخذون بالظهور لا لاجل اصالة عدم القرينة كما ربما يستفاد من كلام الشيخ الانصاري (قدس‌سره) لو لم يحمل كلامه ، على انه يتمسك بالظهور لاجل احتمال القرينة لا ما اذا شك في المراد فانه لا اشكال في الاخذ بالظهور إذ ليس منشأ إلّا احتمال القرينة المتصلة المانعة للظهور غير الحاصلة في المقام فلم يبق إلا احتمال وجود القرينة المنفصلة وهي لا تخل بالظهور مع

١٦٣

ودعوى اختصاص حجية الظهور بما احرز ان المتكلم في مقام تفهيم مراده لكل احد لا لشخص خاص ممنوعة بمنع الاختصاص اذ العقلاء يأخذون بظاهر كلام المتكلم اذا كان في مقام تفهيم مراده ولو كان الخطاب لشخص خاص ولذا ترى انه لو وقع كتاب شخص لشخص بيد ثالث فانه يأخذ بظاهر الكتاب ويرتب عليه الاثر ومن هنا ترى ان الاصحاب يأخذون بظواهر الاخبار الصادرة عن الأئمة الاطهار عليهم‌السلام ويستفيدون الاحكام منها مع ان المقصودين بالافهام من كان حاضرا في مجلس الخطاب من دون تأمل وذلك دليل على عدم اعتبار قصد الافهام في حجية الظواهر فافهم.

__________________

تحققها واما اذا كان الشك من قبيل الاول فتارة يكون الشك لاجمال في اللفظ كلفظ الصعيد هل هو لخصوص التراب أو مطلق وجه الارض فمرجعه قول اللغوي او العرف وإلا فالاصول العملية واخرى يكون من احتفاف الكلام بما يحتمل القرينة لوقوع الامر عقيب الحظر او تعقب الاستثناء بجمل عديدة ونحو ذلك فان قلنا بان اصالة الحقيقة اصل عقلائي كما هو مبنى من يقول بان ظاهر الاستعمال الحقيقة فيكون محرزا للظهور فهو المتبع أو نقول بانها المرجع تعبدا فيؤخذ بها أيضا واما اذا لم نقل بذلك واعتبرنا الظهور ولو من باب النوعي فلا ظهور نوعا في المقام فلذا لا يؤخذ به والمرجع الى الاصول العملية وثالثة يكون الشك ناشئا من وجود المانع وذلك اما ان يكون داخليا كاحتمال غفلة المخاطب عن استماع القرينة وأخرى خارجيا لوقوع سقط في الكلام كاحتمال سقوط قرينة ونحوها مما يوجب سقوط الظهور كما لو عرض التقطيع في الاخبار اما الاول فالعقلاء جرت سيرتهم على الاخذ بالظهور من غير اعتبار باحتمال غفلة المخاطب واما الثاني فكذلك لا يعتنى به اذا كان الرواة ثقات بنحو لا يحتمل في حقهم

١٦٤

الامر الثاني هل ان اعتبار الظهور لاجل اصالة عدم القرينة وعدم الغفلة كاعتبار العموم والاطلاق لاجل اصالة عدم القرينة من التخصيص والتقييد والمجاز كما يستفاد من الشيخ قدس‌سره من ارجاع الاصول الوجودية الى الاصول العدمية او ان جميع هذه الاصول العدمية ترجع الى اصل واحد وجودي وهو الظهور فيؤخذ به عند احتمال ارادة خلافه قولان الحق هو الثاني وفاقا للاستاذ قدس‌سره لما عرفت من استقرار سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور ولا يعتنون باحتمال الغفلة او احتمال القرينة او قرينة الموجود من دون احراز اصل من تلك الاصول بل لا يرون امرا يؤخذ به غير الظهور ويرونها عبارة عن الظهور ولا يرونها محرزة للظهور وتظهر الثمرة بين رجوع تلك الاصول العدمية الى اصل واحد وهو اصالة الظهور وبين عدم ارجاعها الى ذلك فيما لو اقترن الكلام بما يصلح للقرينية فان ذلك يسقط الظهور هذا بناء على المختار واما بناء على غير المختار تمسك باصالة الحقيقة اذ اعتبارها بناء عليه ليس من باب الظهور بل من باب التعبد مطلقا اي سواء كان هناك ظهور ام لا. نعم لو اعتبرنا في موضوع الحجية هو الظهور الواصل لاحتجنا الى اصالة عدم القرينة فيما لو شك في احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة حين صدوره ولكن الظاهر هو اعتبار الظهور الصادر من المتكلم لانعقاد سيرة العقلاء على الاخذ بالظهور الصادر منه.

«المقام الثاني في حجية ظواهر الكتاب فنقول هل ظواهر الكتاب حجة

__________________

اسقاط القرائن عن الكلام والظاهر انه جرت سيرة العقلاء على العمل بالظهور ولا يحتاج الاخذ به الى اصالة عدم القرينة وعدم الغفلة اذ هو اصل وجودى ترجع جميع الاصول العدمية من اصالة عدم التقييد والتخصيص والمجاز اليه فلا تغفل

١٦٥

ام لا؟ الحق هو الاول وفاقا للاصوليين وخلافا للمحدثين لما عرفت سابقا من اعتبار الظواهر مطلقا وليس لظواهر الكتاب خصوصية تقتضي اخراجها من الظواهر وقد يتوهم عدم حجيتها لامور منها ان معان القرآن غامضة لا يعرفها إلّا اهله وهم النبي (ص) والأئمة (ع) ففي بعضها مقام الردع لابي حنيفة (ويحك ما ورثك الله من كتابه حرفا انما يعرف القرآن من خوطب به) وبهذا المضمون روايات وردت تدل على ان القرآن لغموض معانيه وعلو مطالبه بنحو لا يصل اليه فكر البشر إلا الراسخون في العلم لذا لا يؤخذ بظاهره ولكن لا يخفى ان علو مضامين القرآن ودقتها لا يرفع ظهور الفاظه فيعرفها العارف باللغة واما الباطن فيعرفه الراسخون في العلم وعلى ذاك تحمل تلك الاخبار.

وبالجملة الاخذ بالظاهر لا ينافى ان لها بطونا لا يعرفها إلا اهله. ومنها ورد النهي عن تفسير القرآن فعن تفسير العياشي عن ابي عبد الله (ع) من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ومن فسر القرآن آية من كتاب الله فقد كفر ويظهر من ذلك ان لا يؤخذ بما يظهر من الآيات لكونه يعد تفسيرا ولكن لا يخفى ان الاخذ بالظاهر ليس بتفسير اذ التفسير كشف القناع والمستور والاخذ بالظاهر ليس بمستور. ومنها ورود التوبيخ على العامة في ادعائهم معرفة القرآن وفيه ان التوبيخ على ادعائهم المعرفة حق المعرفة وذلك غير الاخذ بظواهر القرآن فانه ليس من المعرفة حق المعرفة.

ومنها انا نعلم اجمالا بطرو التقييد والتخصيص على آيات الكتاب وذلك موجب لسقوط ظواهره وقد اجاب الاستاذ بما حاصله انحلال العلم الاجمالي بعد الفحص عن تلك المقيدات والمخصصات والعثور على مقدار منها يمكن انطباق

١٦٦

المعلوم بالاجمال عليها ولكن لا يخفى ان مثل هذا العلم لا ينحل بالعثور على مقدار من المخصصات والمقيدات وإلّا لما وجب الفحص بعد العثور على مقدار منها فبقاء الفحص يكشف عن بقاء اثر العلم الاجمالي فالاولى في الجواب هو ان يقال بان مع هذا العلم الاجمالي هناك علم اجمالي آخر بوجود المخصصات والمقيدات فحينئذ ينحل ذلك العلم الاجمال الكبير الى هذا العلم الاجمالي الصغير فلو ظفرنا بمقدار من المخصصات والمقيدات وهو الفحص وعدم الظفر بقرينة تدل على خلاف الظهور فحينئذ نقطع بعدم تحققها فنأخذ بالظهور بخروجه عن دائرة العلم الاجمالي الصغير أو نقول بان اطرافه مختصة بما لو تفحصنا لظفرنا به هذا غاية ما ذكر في المقام من المنع بالاخذ بظاهر الكتاب وقد عرفت ان شيئا منها غير صالح للمنع مضافا الى ما ورد بالامر بالرجوع الى الكتاب لرواية عبد الاعلى فيمن عثر فانقطع ظفره فجعل على اصبعه مرارة قال (ع) (يعرف هذا وشبهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة وما في رواية زرارة في جواب من اين علمت ان المسح ببعض الرأس من قوله (ع) ولمكان الباء) وكما في عرض الاخبار على الكتاب قوله (ع) (ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطرحوه).

وكيف كان فلم يبق ما يكون مانعا من الاخذ بظهور الكتاب سوى دعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف فيه ولكن لا يخفى ان ذلك ممنوع على ان هذا العلم الاجمالي لا اثر له اذ ليس متحققا في آيات الاحكام فقط بل يحتمل تحققه في غيرها كآيات القصص ونحوها.

بقى في المقام ما يلزم التنبيه عليه وهو ما لو اختلفت القراءة كقوله تعالى يطهرن بالتخفيف الظاهرة في النقاء من الحيض وبالتشديد الطاهر في الاغتسال

١٦٧

فنقول تارة نقول بتواترها واخرى لا نقول بذلك وعلى تقدير القول بعدم التواتر فتارة نقول بالتلازم بين جواز القراءة والاستدلال بها واخرى لا نقول بالتلازم اما على الاول فان امكن الجمع بينهما بحمل الظاهر على الاظهر وإلّا فيتوقف ويرجع الى الاصل او الدليل الموجود في تلك المسألة اذ عليه تكون كآيتين متعارضتين وعلى الثاني فالكلام فيه كالاول وعلى الثالث فلازمه التوقف اذ مع عدم القول بالتلازم بين جواز القراءة والاستدلال يلزم الرجوع الى الاصول او الدليل الموجود في المسألة مثلا في المقام اما الرجوع الى عموم (فاتوا حرثكم انى شئتم) بناء على استفادة العموم الزماني من الآية او الرجوع الى استصحاب حكم المخصص ولكن لا يخفى ان هذا البحث قليل الفائدة لورود الدليل الخاص على الجواز بمجرد حصول النقاء وقد عمل به المشهور.

المقام الثالث حجية قول اللغوي فنقول ينسب الى جماعة حجيته لاجماع العقلاء والعلماء على الرجوع الى اللغة والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاج ولكونهم من اهل الخبرة وقد جرت العادة على الرجوع اليهم فيما لهم خبرة فيه ولما دل على حجية خبر الواحد فيؤخذ بقول اللغوي لكونه من اخبار الآحاد ولكن لا يخفى ان الرجوع الى اهل اللغة انما هو فيما يتسامح به من تفسير خطبة أو شعر او رواية ليس لها تعلق بالاحكام وليس الرجوع اليهم في استنباط الحكم الشرعي نعم ربما يحصل من مراجعة اللغة انه من المسلمات فيحصل له الوثوق والاطمئنان ولو من لغوي واحد وذلك خارج عما نحن فيه.

واما كون اللغوي من اهل الخبرة فممنوع حيث ان الرجوع الى اهل الخبرة فيما يعمل رأيه مما هو معلوم لديه من الامور الحدسية لا مثل قول اللغوي الذي

١٦٨

يذكر موارد الاستعمال من غير حاجة الى اعمال رأى فهو يذكر ما لديه من الامور الحسية اما حجيته من جهة دخوله في خبر الآحاد ففيه ما لا يخفى اذ الظاهر ان حجية خبر الواحد انما هو بالنسبة الى الاحكام فلا تشمل الموضوعات فعليه لا يشمل قول اللغوي الثقة اذ هو كلامه في تشخيص الموضوع ولو سلمنا وقلنا بانه يشمل الموضوعات إلّا ان رواية مسعدة بن صدقة (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة او العبد يكون عندك ولعله حر قد باع نفسه او قهر فبيع او خدع فبيع او امرأة تحتك وهي اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك) يستفاد منها الردع في انه لا يعمل بخبر الواحد في الموضوعات ولو سلم وقلنا بان السيرة قد انعقدت على اعتبار قول الثقة في الاحكام والموضوعات وخرجت الموضوعات الجزئية كالامثلة المذكورة في رواية مسعدة بن صدقة ويبقى الباقي تحت انعقاد السيرة ولكن الكلام في ان قول اللغوي ليس بصدد تعيين الموضوع له وانما هو في مقام بيان موارد الاستعمال بلا نظر الى تعيين الموضوع له فعليه لا يكون قول اللغوي موجبا لتشخيص الظهور على انه يحتاج الى وثوق من قوله واطمئنان ولعله قد يحصل من قول بعضهم الوثوق والاطمئنان فيكون المناط هو تحصيل الوثوق والاطمئنان الموجب لتحقق الظهور وليس لقول اللغوي موضوعية كما ادعاء البعض نعم قد استدل على حجية قوله بالانسداد الصغير في خصوص اللغات (١) فان معاني غالب الالفاظ مجهولة اما اصلا او سعة وضيقا ولكن لا يخفى

__________________

(١) وغاية ما قيل في تقريبه بان من جملة مقدمات الانسداد عدم جواز الرجوع الى البراءة اما للزوم الخروج عن الدين او للزوم المخالفة القطعية وعند

١٦٩

ان باب العلم في اللغة ان رجع الى انسداد العلم في الاحكام فبعد ضم بقية المقدمات فيرجع الى انسداد الكبير في باب الاحكام فتكون النتيجة هو حجية الظن من غير فرق بين حصوله من قول اللغوي او من غيره وان لم يرجع الى ذلك بنحو يكون باب الاحكام مفتوحا فلا اثر لانسداد باب العلم في اللغات.

__________________

انسداد باب العلم في خصوص اللغات في المقام لا يلزم من الرجوع الى البراءة خروج من الدين إلّا انه يلزم من الرجوع اليها مخالفة قطعية لان غالب الالفاظ في الكتاب معانيها مجهولة لو لم يرجع الى قول اللغة فلا بد لنا من الرجوع الى الظن الحاصل من قول اللغوي ولكن لا يخفى انا نمنع انه لو لم يرجع الى قول اللغوي يلزم مخالفة قطعية اذ ليس في الفاظ الكتاب والسنة الفاظ مجهولة المعنى إلا القليل سيما في الاحكام الالزامية بل لم نجد الا الفاظا معدودة على ان مقدمات الانسداد ليست منحصرة بعدم الرجوع الى البراءة بل لها مقدمات أخر مثل عدم امكان الاحتياط او عدم وجوبه لكونه موجبا للعسر او للحرج او مخلا بالنظام ومن ان شيئا منها لا يلزم لو لم يرجع الى قول اللغوي ولا يقاس على تعديلات اهل الرجال فانه لو لم يعتمد على تعديلاتهم يلزم الانسداد الكبير لا الصغير كما ادعى في ترك العمل بقول اللغوي وقد عرفت انه ان رجع الى الانسداد الكبير فهو وإلّا فليس بمحذور وقد ادعى الشيخ (قده) رجوعه الى الانسداد الكبير في الحاشية على الكتاب بقوله ولكن الانصاف بان قول اللغوي مما يحتاج اليه في كثير من الموارد المهمة كمثل الوطن ونحوه فمن تركه يلزم العسر ولكن لا يخفى ما فيه فان الموارد التي ذكرها في الحاشية انما هي امور عرفية يرجع فيها الى اهل العرف لا اقل من الاخذ بالقدر المتيقن مضافا الى انه من ترك العمل بقول اللغوي في تلك المواضع لا يلزم العسر نعم يمكن اعتبار قول اللغوى باعتباره كونه من اهل

١٧٠

الاجماع المنقول

المبحث الرابع في ان الاجماع المنقول بخبر الواحد حجه ام لا قيل بحجيته نظرا الى اندراجه تحت خبر الواحد فتشمله جميع الادلة الدالة على حجية خبر

__________________

الخبرة والعقل يحكم بالرجوع الى اهل الخبرة ولا يعتبر في اهل الخبرة التعدد اذ ذلك في باب الشهادة والفرق بين باب الشهادة واهل الخبرة هو ان باب الشهادة عبارة عن الاخبار عن حس واهل الخبرة يتألف من جزءين احدهما ان لا يكون من الامور الحسية بل يكون من الامور التي يتوقف على اعمال فكر ونظر وثانيهما ان تكون تلك المعرفة مخصوصة بطائفة دون اخرى بحيث لا يلتفت اليها كل أحد وحينئذ دعوى ان اللغوي من اهل الخبرة غير مجازفة اذ اطلاعه على الاوضاع تعد كصنعة له واما حجية قول اهل الخبرة فهو مما جرت عليه السيرة العقلائية بالرجوع اليهم واعتبار قولهم من باب الطريقية لا من باب التعبد ولا يشترط في اعتبار قولهم التعدد لما عرفت انه ليس من باب الشهادة المعتبر فيها التعدد واما اعتبار التعدد في بعض المقامات كخيار العيب والدعاوي فالظاهر ان ذلك من جهة تنزيل قولهم منزلة المحسوسات وبعد التنزيل يتحقق موضوع الشهادة ولكن الاشكال ان اهل اللغة ليسوا بصدد نقل وضع الالفاظ وانما هم بصدد ذكر موارد الاستعمالات فحينئذ يشكل الاخذ بقولهم نعم ان حصل الوثوق والاطمئنان من قول اللغوي فيؤخذ به لا لانه قول اللغوي بل من جهة حصول الظهور والاخذ بالظهور مما استقرت عليه سيرة العقلائية فلا تغفل.

١٧١

الواحد بل ربما يقال بانه من الخبر العالي السند لكونه حاكيا عن الامام (ع) بلا واسطة ولكن لا يخفى ان شمول ادلة حجية خبر الواحد للاجماع المنقول محل نظر فان السيرة وبناء العقلاء والاجماعات المحكية ادلة لبية لا اطلاق فيها فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو ما كان خبرا عن حس فلا تشمل ما يكون من الامور الحدسية واما الاخبار والآيات ما عدى آية النبأ فانما هي بلسان التقرير وامضاء الطرق العادية فلا يكون فيها اطلاق لكي يؤخذ باطلاقها بل هي كالأدلة اللبية يؤخذ فيها بالقدر المتيقن وقد عرفت انه ما كان عن حس فلا يشمل المقام الذي هو اخبار عن حدس واما آية النبأ فهي وان كانت تعم مطلق الاخبار ولو كانت عن حدس إلّا ان مقابلة الفسق للعدالة في الآية وعموم التعليل فيها يوجب صرفه الى الاخبار عن حس حيث ان المستفاد منها هو رفع احتمال تعمد الكذب لاجل ما يستفاد منها اعتبار العدالة أو الوثوق في المخبر وليست في مقام رفع خطأ المخبر لاشتباهه ونحوه الذي يحصل من الحدس لكي تشمل الاخبار عن حدس بل الرافع له الاصل العقلائي ان قلت على هذا يلزم قبول شهادة الفاسق اذا علم عدم تعمده الكذب واما احتمال الخطأ والاشتباه فقد فرضت انه مرفوع بالاصل العقلائي المجمع عليه مع ان شهادته مرددة اجماعا قلت العدالة في الشهادة مما لها موضوعية قطعا وذلك لا ينافي كون الآية بصدد مانعية الفسق من حيث احتمال تعمده للكذب فيكون المفهوم عدم المانع في العادل من هذه الجهة الموجب لاختصاصها بالخبر عن حس وليست بصدد نفى الخطأ والاشتباه لكى تشمل الاخبار عن حدس على ان خبر الفاسق لا يعتنى به لكونه نوع ركون الى الظالم لانه ظالم لنفسه لقوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) والركون الى الظالم منهى عنه بمقتضى قوله تعالى

١٧٢

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ...) فمثل هذا النهي قرينة على تعميم آية النبأ بحسب المنطوق للاخبار التي هي عن حس أو عن حدس فيكون المفهوم على القول به تكون من قبيل الادلة اللبية التي يؤخذ فيها بالقدر المتيقن وذلك هو الخبر عن حس لان المفهوم نقيض المنطوق والمنطوق لما كان عاما من جميع الجهات فرفعه يحصل بالايجاب الجزئي وهو الاخبار عن حس فتندرج الاخبار عن حدس تحت الاصل المقرر في الامارات الظنية وهو حرمة العمل بالظن فان قلت معنى كون المنطوق عاما ومطلقا بمعنى ان ينحل الى اشخاص وافراد متعددة ومن جملة الافراد الخبر الفاسق عن حدس فحينئذ يدخل تحت مفهوم خبر العادل عن حدس قلت فرق بين كون الاطلاق في التعليق وبين كونه في الجزاء المعلق وما ذكرت انما يتم لو كان الاطلاق في التعليق واما لو كان في الجزء المعلق فلا يكون في طرف المفهوم الا الايجاب الجزئي وحينئذ يحتمل انطباقه على كلا الخبرين فيوجب الاجمالي في الآية ولازمه الاخذ بالقدر المتيقن وهو الخبر عن حس فان قلت لو افاد خبر الفاسق الجزم فان الاصحاب يعملون به مع انه ركون الى الفاسق قلنا لم يكن ركونا الى الفاسق بل العمل بخبره ركون الى الجزم واليقين كما هو اوضح من ان يخفى اذا عرفت ذلك فاعلم ان ادلة حجية خبر الواحد كادلة الشهادة تختص بما اذا كان الخبر يستند الى الحس أو الحدس القريب من الحس كالاخبار بالشجاعة والعدالة فلا تشمل ما كان مستندا الى الحدس المحض كناقل الاجماع فان المستند لنقله ليس عن امر حسي بل حدس محض لبعده عن وصوله الى الامام (ع) وسماعه منه خصوصا اذا كان في الاعصار المتأخرة نعم يمكن دعوى حجية بعض الاجماعات المتحققة في زمان الغيبة الصغرى

١٧٣

كزمان الكليني والسفراء بل واوائل الغيبة الكبرى كزمان السيدين والمفيد ممن يمكن في حقه ان تكون دعواه اتفاق الامة الظاهر دخول المعصوم (ع) ولو احتمالا فيشمله حينئذ ادلة حجية خبر الواحد لكون اخباره عن حس بل وان كان عن حدس إلّا انه قريب من الحس فيكون كالاخبار عن شجاعة شخص او عدالته اذ ذلك حدس مستند الى الحس وكيف كان فناقل الاجماع ان كان ممن يرى حجيته بالتضمن كالسيد المرتضى (قده) او قاعدة اللطف كالشيخ (قده) او الاتفاق الذي يكشف عن رضاء المعصوم (ع) بنحو تكون ملازمه بين الاتفاق ورضاء المعصوم ولو كانت عادية فان ذلك كله يشمله ادلة حجية خبر الواحد فان ذلك على تقدير تحققه يكون من الحدس القريب من الحس نظير الاخبار بالشجاعة استنادا الى ما يراه من اقدامه والاخبار بالعدالة استنادا الى ما نراه من زهده وتقواه فانه من الاخبار بالحدس قريب من الحس واما اذا كان عن اتفاق جماعة لم يكن بينه وبين رأي الامام ورضاه ملازمة عادية فهو من الحدس المحض فليس بحجة لعدم كونه مشمولا لادلة حجية خبر الواحد ثم لا يخفى ان حجية الاجماع لا تنحصر بتحقق الملازمة بين الاتفاق وقول الامام (ع) بل ولو كانت ملازمة عادية بين ما نقله من الاتفاق ووجود دليل معتبر ولو كان مخالفا للاصول والقواعد وبالجملة فناقل الاجماع تارة يكون نقله عن حس كما هو مبنى التضمن واللطف فلا اشكال في اعتباره ولكن يبعد تحققه الا في زمان الغيبة الصغرى واوائل الغيبة الكبرى واخرى يكون حدسا قريبا من الحس كما لو كانت ملازمة ولو عادية بين نقله ورأى الامام او وجود دليل معتبر كما ربما يحصل للمرءوسين المنقادين لرئيسهم لو اتفقوا على امر يكشف ان ما اتفقوا عليه هو رأي رئيسهم

١٧٤

فان ذلك حجة لكونه مشمولا لادلة حجة الخبر وثالثة يكون حدسا محضا كما لو نقل عن جماعة لا يكشف عن رأى الامام بنحو لا تكون ملازمة بينهما فهو ليس بحجة فلا يكون مشمولا لادلة حجة الخبر هذا كله في نقل المسبب واما نقل السبب فيختلف باختلاف الناقلين للاجماع فتارة يكون حدسيا قريبا من الحس كما لو كان الناقل له الاحاطة باقوال الاصحاب بنحو يحصل من ذلك الحدس القوى بكونه متفقا عليه في الاعصار المتقدمة وحينئذ يؤخذ بقوله اذا كان قد بلغ الى مقدار يلازم عادة قول الامام عليه‌السلام واخرى لا يكون من ذلك القبيل بل يحتاج ضم ما يتم السبب فاذا حصل ذلك يستكشف منه قول الامام عليه‌السلام فيؤخذ به وإلا فلا يؤخذ به ومثل نقل الاجماع نقل التواتر فان كان النقل للتواتر ثبت عند المنقول اليه بنحو لو ظفر هو باخبار تلك الجماعة لحصل عنده التواتر فيرتب عليه الاثر وإلا ان حصل من ضم ما يحصله من أخبار جماعة اخرى فائضا يترتب عليه آثاره ومع عدم حصول ملك الضميمة فلا يترتب عليه آثاره واقعا وتظهر الثمرة فيما لو نذر ان يحفظ الاخبار المتواترة فان كان نذره معلقا على التواتر الواقعي فلا يترتب النذر على الاخير ويلزم ترتبه على الاولين إلا اذا نذر على التواتر في الجملة وحينئذ يلزم حفظها من دون حاجة الى ضم ضميمة فافهم وتأمل.

حجية الشهرة

المبحث الخامس في حجية الشهرة فنقول الشهرة على ثلاثة اقسام :

الشهرة في الرواية وهى عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة بكثرة نقلها

١٧٥

في اصولهم وفي الكتب المنقولة من الاصول قبل الجوامع الاربعة التى هى التهذيب والكافي والاستبصار والفقيه وهي التي تكون من المرجحات في باب التعارض وهي المقصودة من قوله عليه‌السلام : (خذ بما اشتهر بين اصحابك) والشهرة العملية وهى عبارة عن اشتهار العمل بالرواية بنحو تستند الفتوى اليها والمراد باشتهار العمل هو عمل الاصحاب القدماء إذ لا عبرة بعمل المتأخرين وهذه هي التى تكون جابرة لضعف الرواية كما يدعى (ان رواية على اليد ما اخذت حتى تؤدى) من انها ضعيفة لعدم نقلها في الجوامع ولم تذكر من طرقنا وانما ذكرت من طرق العامة فان الحسن البصرى رواها عن سمرة بن جندب ومعلوم ان سمرة بن جندب ضعيف للغاية كما يظهر ذلك من حديث لا ضرر على انه يقال ان الحسن البصري لم يرو حديثا عنه ومع هذا كله افتى الاصحاب بمضمونها مستندين في الفتوى الى هذا الحديث.

وبالجملة ان عمل الاصحاب بحديث ولو كان من الضعف بمكان يكون جابرا لضعفه واعراضهم عن حديث ولو كان صحيحا مع انه بمرأى ومسمع منهم يكون موهنا له والشهرة الفتوائية التي هى عبارة عن اشتهار الفتوى بين الاصحاب في المسألة من دون استناد الى رواية من دون فرق بين وجود رواية على خلاف ما اشتهر من الفتوى او هناك رواية موافقة للفتوى إلّا انه لم تستند الفتوى اليها اذ الفتوى مع موافقتها لمضمون الرواية لا يعد استنادا اليها وهذه الشهرة هى التى قد وقع الكلام في حجيتها فقيل بحجيتها وانها من الظنون الخاصة الخارجة عن الاصل الذي دل على حرمة العمل بالظن لامور اربعة.

١٧٦

الاول بما في المقبولة (فان المجمع عليه لا ريب فيه) فانه يستفاد منها عموم التعليل لكل ما لا ريب فيه والشهرة الفتوائية لا ريب فيها فيجب الاخذ بها. الثاني بما في المرفوعة. (خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر) فانها تدل على الاخذ بتلك الشهرة وترك ما يقابلها الثالث اولوية الاخذ بهذه الشهرة من الاخذ بخبر الواحد أو الظن الحاصل منها اقوى من الظن الحاصل من الخبر ، الرابع التمسك بذيل آية النبأ (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) بناء على ان المراد من الجهالة السفاهة إذ الاخذ بالشهرة في الفتوى ليست من السفاهة.

ولكن لا يخفى ان جميع ما ذكر محل نظر بل منع اما عن الاول فان المراد من قوله عليه‌السلام (فان المجمع عليه لا ريب فيه) هو الرواية لما يظهر ذلك من استشهاد الامام عليه‌السلام بقوله : (انما الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وامر مشكل يرد حكمه الى الله ورسوله) قال الشيخ الانصارى (قده) ما هذا لفظه (ولهذا كانت الرواية المشهورة من قبيل بين رشده والشاذ من قبيل المشكل الذي يرد علمه الى اهله وإلّا فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث) (١) واما عن الثانى فمع الاغماض عن ضعف السند فالمراد بالموصول

__________________

(١) مضافا الى انه يتم بناء على عموم التعليل المستفاد من قوله (فان المجمع لا ريب فيه) لكي يكون من منصوص العلة حتى يتعدى من المورد فيكون حاله مثل قوله الخمر حرام لانه مسكر حيث انه يكون المناط هو الاسكار فيتعدى الى غير الخمر من المسكرات وبعبارة اخرى ان عموم التعليل بنحو يكون كبرى كلية لكي يشمل غير المورد ويكون من منصوص العلة فيكون

١٧٧

فى قوله عليه‌السلام (بما اشتهر بين اصحابك) هو الشهرة في الرواية لا مطلق الشهرة اذ لا عموم فيه لكى يشمل الشهرة في الفتوى كما يظهر ذلك من ذيل الرواية (فقلت يا سيدى انهما مشهوران) ومن المعلوم ان الشهرة الفتوائية

__________________

المراد من الرواية انه يجب الاخذ بكل ما لا ريب فيه فتشمل الشهرة في الفتوى ولكن ارادة ذلك محل نظر بل منع اذ لا يصح ان يقال يجب الاخذ بكل ما لا ريب فيه في قبال ما فيه الريب وإلا لزم الاخذ بكل راجح بالنسبة الى غيره وباقوى الشهرتين والظن المطلق الى غير ذلك من اللوازم الباطلة التي لا يمكن الالتزام بها على ان المراد من المجمع ان كان هو الاجماع المصطلح فلا يعم الشهرة في الفتوى وان كان المراد منه المشهور فلا يصح حمل قوله لا ريب فيه بقول مطلق فلا بد من ارادة (من لا ريب فيه) هو عدم الريب بالاضافة الى ما يقابله وهو يوجب خروج التعليل عن كونه كبرى كلية لكي يتعدى عن المورد فاذا لم يكن في مقام الكبرى الكلية فلا عموم فيه فحينئذ لا يتعدى المورد وهو الشهرة في الرواية واما الموصول في قوله (ما اشتهر) هو خاص بالشهرة في الرواية فلا يعم الشهرة الفتوائية وذلك ليس تخصصا للعام في المورد لكي يشكل ويقال بان المورد لا يخصص العام وانما هو لعدم عموم في الموصول على ان المعرف لما يراد من الموصول كما يمكن ان يكون هو صلته يمكن ان يكون شىء آخر كما هو كذلك في المقام فان السؤال في المرفوعة عن الخبرين المتعارضين هو الذى يكون معرفا لما يراد من الموصول وهو الخبر ان المتعارضان المشهوران في الرواية دون مطلق ما يكون مشهورا كما لا يخفى فظهر مما ذكرنا ان الشهرة الفتوائية لا دليل على حجيتها إلّا ان شهرة القدماء تكون موهنة للرواية على خلافها ولكن الانصاف ان مخالفتها مشكل وموافقتها من دون دليل اشكل فلا تغفل.

١٧٨

لا يعقل تحققها في الطرفين واما عن الثالث فالاولوية انما تتحقق لو قلنا بان اعتبار خبر الواحد من باب افادته للظن ولكن ذلك محل منع اذ حجية خبر الواحد لأجل قيام الادلة على حجيته ولو لم يفد الظن بل هو حجة ولو كان هناك ظن على الخلاف واما عن الرابع فان غاية ما يدل على عدم الاخذ بما فيه جهالة واما وجوب الاخذ بكل ما ليس فيه جهالة فلا دلالة عليه اذ لا مفهوم له مثلا لو قال لا تأكل الرمان لانه حامض فانه لا يدل على عدم جواز اكل كلما ليس بحامض.

وبالجملة الشهرة الفتوائية ان افادت الظن وقلنا باعتبار مطلق الظن فتكون حجة وإلّا فليست بحجة لعدم الدليل عليها وما ذكر من الادلة قد عرفت انها غير صالحة للدلالة كما انها لا تكون جابرة لضعف السند كما قلنا بان الشهرة في الرواية او العمل بها تكون جابرة لضعف السند نعم يمكن دعوى كونها موهنة للرواية اذا كانت على خلافها إلّا ان ذلك بالنسبة الى شهرة القدماء فلا تغفل.

حجية خبر الواحد

المبحث السادس في ان خبر الواحد هل هو حجة في الجملة اولا والمختار هو الاول وقبل الخوض في المقصود ينبغي بيان ان هذه المسألة هل هي من المسائل الاصولية المبحوث عنها في الاصول اولا فنقول قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية (ان هذه المسألة من أهم مسائل الاصولية وقد عرفت في اول

١٧٩

الكتاب ان ملاك المسألة الاصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط) ويشكل عليه بانتقاض ذلك بقاعدة اصالة الحل فانها لم تكن متعلقة بجهة الاستنباط وذكر الشيخ الانصارى (قدس‌سره) ان ملاك المسألة الاصولية هي الوظيفة المختصة بالمجتهد والفرعية هي ما اشترك فيها المجتهد والمقلد ويشكل عليه بانتقاضه بقاعدة الطهارة حيث انها لا اشكال في كونها مسألة فرعية مع انها من خصائص المجتهد اذ محلها الشبهة الحكمية التى هي من وظائف المجتهد ولا يعرفها المقلد ولو اجيب عن هذا الانتقاض بزيادة قيد وهو انه لا يختص بباب دون باب فتخرج قاعدة الطهارة عن المسائل الاصولية لاختصاصها بباب الطهارة اشكل في الحاق بعض مسائل الاصولية كقاعدة الاشتغال فانها وظيفة يشترك فيها المجتهد والمقلد وذكر المحقق القمي (قدس‌سره) بان المسألة الاصولية هي ما تتعلق بعمل المكلف بالواسطة والفرعية ما تتعلق بالعمل بلا واسطة وخبر الواحد من قبيل الاول بتقريب ان مفاده الامر بتصديق العادل ارشاد الى جعل الحجية فيرجع اولا وبالذات الى البحث عن حال الخبر وبالعرض ثانيا يتعلق بعمل المكلف فيكون مثل البحث عن حجية الخبر متعلقا بالعمل بالواسطة فيتحقق فيه ملاك المسألة الاصولية فتدخل في مسائل الاصول.

ولكن لا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) انما يتم بناء على مختار الاستاذ من كون الامر المتعلق بالتعبد ارشادا الى جعل الحجية ولا يتم بناء على ما اخترناه من كون الامر انما هو حكم تكليفى ليس إلا مضمون قوله صدق العادل فيما يخبر به فيكون متعلقا بالعمل بلا واسطة فحينئذ تدخل هذه المسألة في المسائل الفرعية لوجود ملاكها فلذا لا بد من جعل الملاك في المسألة الاصولية

١٨٠